لماذا يعاني الشباب العراقي من البطالة رغم ثروات البلاد؟
يمثّل الشباب العراقي اليوم أكثر من نصف عدد السكان، وهي ميزة ديمغرافية نادرة يمكن أن تكون رافعة قوية للنمو الاقتصادي والتنمية المستدامة. غير أن هذه الميزة تحوّلت، في ظل الواقع الراهن، إلى تحدٍّ جسيم يهدد الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي، نتيجة تفاقم معدلات البطالة وتآكل الثقة في المستقبل.
جذور الأزمة: تشخيص دقيق لمعضلة البطالة
لا يمكن اختزال أزمة بطالة الشباب في العراق في سبب واحد، بل هي نتاج تراكمات لعقود من السياسات الاقتصادية غير المتوازنة، والاعتماد المفرط على القطاع العام كمشغّل رئيسي. هذا القطاع، الذي بلغ حدّ التشبّع، لم يعد قادرًا على استيعاب الأعداد المتزايدة من الخريجين، ما أدى إلى ترسيخ ثقافة “انتظار الوظيفة الحكومية” وتراجع روح المبادرة الفردية.
من جهة أخرى، يعاني نظام التعليم من فجوة واضحة بين مخرجاته ومتطلبات سوق العمل. فالمناهج الدراسية تفتقر إلى التركيز على المهارات التطبيقية، مثل التفكير النقدي، والبرمجة، وريادة الأعمال، ما يجعل الخريجين غير مؤهلين لمتطلبات الاقتصاد الحديث.
ولا يمكن إغفال التحديات التي تواجه بيئة الاستثمار، من بيروقراطية معقدة، وضعف في البنية التحتية، إلى غياب الاستقرار السياسي والأمني، وهي عوامل تعيق نمو القطاع الخاص وتحدّ من قدرته على خلق فرص عمل مستدامة.
القطاع الخاص والمشاريع الصغيرة: أمل في الأفق
في ظل محدودية القطاع العام، يبرز القطاع الخاص، وتحديدًا المشاريع الصغيرة والمتوسطة، كخيار استراتيجي لمعالجة البطالة. فهذه المشاريع تمثّل العمود الفقري للاقتصادات الناجحة، لما تتمتع به من مرونة وقدرة على التكيّف وخلق فرص عمل متنوعة.
تشجيع الشباب على خوض غمار ريادة الأعمال يتطلب منظومة متكاملة تبدأ من التعليم، بترسيخ ثقافة المبادرة والابتكار، وتمرّ عبر توفير حاضنات أعمال، وتسهيل الوصول إلى التمويل، وتنتهي بدعم قانوني وتسويقي يضمن استمرارية المشاريع.
عندما يشعر الشاب أن فكرته تحظى بالدعم، وأن هناك بيئة حاضنة تساعده على تحويلها إلى واقع، يتحوّل من باحث عن وظيفة إلى صانع للفرص، ومن مستهلك إلى منتج، ومن عبء اقتصادي إلى رافعة تنموية.
الدولة العراقية: من دور الراعي إلى دور المُمكِّن
تقع على عاتق الدولة مسؤولية تاريخية في إعادة صياغة دورها، من كونها “الموظف الأكبر” إلى “المُمكِّن والمنظّم” لاقتصاد حرّ ومنتج. ويتطلب ذلك تبنّي سياسات شاملة ترتكز على:
- إصلاح اقتصادي جذري: عبر تبسيط الإجراءات الإدارية، ومحاربة الفساد، وتحسين البنية التحتية، لجذب الاستثمارات المحلية والأجنبية.
- تطوير التعليم والتدريب المهني: من خلال مواءمة المناهج مع احتياجات السوق، وتوسيع برامج التدريب في مجالات واعدة كالتكنولوجيا والطاقة المتجددة.
- تمكين مالي ولوجستي: بإنشاء صناديق تمويلية مخصصة لدعم المشاريع الشبابية، وتقديم حوافز ضريبية للشركات التي توظّف وتدرّب الخريجين.
- شراكة فعالة بين القطاعين العام والخاص: لتوفير فرص تدريب وتوظيف حقيقية، وتبادل الخبرات، وتعزيز الابتكار.
من التحدي إلى الفرصة
إن مستقبل العراق مرهون بقدرته على تحويل هذه الكتلة الشبابية من عبء إلى فرصة. فالشباب ليسوا مجرد أرقام في سجلات البطالة، بل هم طاقات كامنة، وأفكار متجددة، وأحلام تنتظر من يحتضنها. إن تمكينهم وتوفير البيئة المناسبة لهم هو السبيل الوحيد لبناء عراق مزدهر، آمن، ومستقر.




