نهضة عمرانية في قطر.. استثمارات متنامية تدعم التنويع الاقتصادي
تشهد دولة قطر زخماً عمرانياً متسارعاً مدفوعاً بارتفاع وتيرة إصدار رخص البناء واعتماد مشاريع متنوعة تعكس اتساع رقعة التطوير الحضري في البلاد.
هذا الحراك، الذي تترجمه الأرقام القياسية في تصاريح البناء والمخططات الهندسية، يُظهر التوجه نحو تعزيز البنية التحتية وتلبية احتياجات النمو السكاني والاقتصادي.
رخص قياسية
وفي دلالة واضحة على قوة الزخم العمراني في قطر، كشفت وزارة البلدية عن أن مجمع رخص البناء وإدارات الشؤون الفنية في البلديات أصدروا، خلال الربع الثاني من عام 2025، ما مجموعه 1836 رخصة بناء، شملت الرخص الجديدة، ورخص الإضافة، والتعديل، والتجديد.
وبيّنت الوزارة في بيان نشرته وكالة الأنباء القطرية، في 9 أغسطس 2025، أن هذا العدد يعكس نمواً في حجم النشاط مقارنة بمعدلات سابقة، ويؤشر إلى تسارع وتيرة تنفيذ المشاريع السكنية والتجارية والخدمية.
وتوزعت هذه الرخص على 1414 مشروعاً صغيراً، و59 مشروعاً كبيراً، إضافة إلى 363 مشروعاً آخر، وهو ما يمثّل تنوعاً في طبيعة وحجم المشروعات، من الوحدات السكنية الفردية إلى المجمعات الضخمة التي تستهدف تلبية احتياجات التطور الحضري.
ولم يقتصر النشاط على إصدار تراخيص البناء فحسب، بل شمل أيضاً 1872 رخصة أو شهادة أخرى خلال الفترة ذاتها، تضمنت 919 شهادة إتمام بناء، و340 رخصة صيانة، و189 رخصة هدم، و424 شهادة إفادة عقار، ما يشكّل دورة متكاملة في إدارة العمران من مرحلة الإنشاء وحتى الاستخدام الفعلي.
ويأتي هذا النشاط مدعوماً أيضاً بحجم كبير من المخططات الهندسية المعتمدة، إذ بلغ إجمالي ما اعتمد، خلال الربع الثاني، 91,887 مخططاً، منها 62,237 لرخص البناء، و25,522 لشهادات إتمام البناء، و2,513 لرخص الصيانة، و1,310 لرخص الهدم، و305 لشهادات إفادة العقار، وهو ما يجسّد منظومة تنظيمية متكاملة تدعم مسيرة التوسع العمراني في الدولة.
فرص وتحديات
ويقول الأكاديمي والخبير الاقتصادي الدكتور عبد الرحيم الهور إنه شاهد على الثورة العمرانية في قطر، حيث رصد على مدى ربع قرن ملامح النضج في البنى التحتية والتوسع العمراني.
ويشير في حديثه مع “الخليج أونلاين” إلى أن هذا التوسع يتجلى بوضوح في ارتفاع عدد رخص البناء الممنوحة، وهو ما يعد دليلاً مباشراً على قوة قطاع التشييد ودوره كرافد أساسي للاقتصاد الوطني.
ويوضح الهور أن زيادة رخص البناء تنشط سلاسل الإمداد وتوفر فرص عمل وتحرك الطلب على المواد والخدمات، ما ينعكس بدوره على الناتج المحلي الإجمالي واستقرار السوق العقاري.
كما يلفت إلى أن حجم سوق الإنشاءات في قطر من المتوقع أن ينمو نمواً كبيراً، خلال السنوات القادمة، ما يؤكد أن الطفرة في الرخص جزء من دورة توسع عمراني واسعة.
ويردف أن هذه الطفرة العمرانية لا تقتصر على الأرقام فقط، بل ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالمنظومة الرقمية التي اعتمدتها وزارة البلدية لإصدار رخص البناء.
ويؤكد الهور أن تبسيط الإجراءات وربطها إلكترونياً مع الجهات المختصة يخلق بيئة استثمارية جاذبة، تقلل الاحتكاك الإداري وتوفر اليقين للمستثمرين الأجانب.
ومع ذلك، يرى الخبير الاقتصادي أن استمرار هذا الزخم يواجه تحديات جدية، منها ارتباط الطلب بدورات التمويل العالمية والضغوط المتوقعة على سلاسل التوريد واليد العاملة.
كما يشير إلى أن البعد البيئي يفرض متطلبات جديدة على مشاريع البناء، التي عليها الالتزام بمعايير الاستدامة وخفض الانبعاثات، تماشياً مع خطط الدولة لمكافحة التغير المناخي.
ويختم الدكتور الهور حديثه بالقول إن كل هذا يأتي متسقاً مع رؤية قطر الوطنية 2030، التي وضعت ركائز التنمية الاقتصادية والاجتماعية في صلب استراتيجياتها.
ويؤكد أن التوسع العمراني الذكي في قطر ليس مجرد مؤشر قطاعي، بل هو انعكاس لاتجاه استراتيجي متكامل يجمع بين الرقمنة والاستثمار والتخطيط المستدام، ما يؤكد أن النمو العمراني يشكل أحد الأعمدة الرئيسية لتحقيق أهداف الدولة في التنويع الاقتصادي.




